المفاوضات منطق في بيئة تفتقد المنطق
يشير التاريخ السياسي العالمي إلى منطقية التفاوض لحل اى صراع , وهكذا الحال فيما يخص الصراع الفلسطيني _ الفلسطين المحتلةى حتى لو اختلفت الآراء وانقسمت في الشارع الفلسطيني والعربي تجاه قضية المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة وتوزعت بين مؤيد ومعارض , فهذا ليس المهم ؛ فالمهم هو الواقع الذي تدور في فلكه هذه المفاوضات حتى وان حضت بإرادة ورغبة أمريكية في دفع أو مساعدة طرفي الصراع في التوصل إلى حل لهذا الصراع إلا أن هذا الواقع الفلسطيني والشرق أوسطى يفتقد للمنطق الذي من شأنه صياغة مقدمات سليمة تؤدى إلى نتائج سليمة , فمنطق الواقع السياسي الشرق أوسطى يحمل في طياته عناصر تحبط إمكانية التوصل إلى حل سياسي.
أذا نضرنا إلى الجانب الاسرائيلى نجد قيادات غير معنية أو بتعبير اقرب إلى الدقة غير مؤهلة لانجاز اتفاق سياسي مع الفلسطينيين, رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو هو أول من حرض الشارع الاسرائلى في حينه على إسقاط اتفاقيات أوسلو للسلام وساهم بتحريضه للشارع الاسرائيلى بشكل أو بأخر في اغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلى آنذاك أساحق رابيين الذي وقع اتفاقات أوسلو للسلام , ودوما وضع العراقيل في دولاب عجلة التسوية السياسية , إضافة إلى استناده التاريخي لدعم وتأييد القوى اليمينية المتطرفة في حزب الليكود وغيرها من قوى العمل السياسي الاسرائيلى والتي من دون دعمها السياسي له سوف يقف عاريا أمام خصومه السياسيين ويزيد على ذلك وصوله إلى سدة الحكم اثر الانتخابات الإسرائيلية العامة الأخيرة بمساندة وثقة أحزاب اليمين الفلسطين المحتلةى المتطرفة راعية الاستيطان في الضفة الغربية وفى مقدمتهم الكتلة البرلمانية التي يقودها المتطرف افغدور ليبرمان .
إسرائيل منذ العام 2000وهى تسيرباكثر وضوح نحو تحقيق تسويات أمنية في المنطقة وليس تسويات سياسية وتجلى ذلك في الحل الذي اختاره رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق ارئيل شارون في تعامله مع قطاع غزة وانسحابه أحادى الجانب منه وسعيه آنذاك لتنفيذ خطة مشابه في الضفة الغربية ,
وفى حال تعرض إسرائيل لضغط امريكى فاعل لدفعها نحو تسوية سياسية نجدها لأتخفى رغبتها في أن تبدل ذلك بتسويات مرحلية طويلة الأجل , وبدلا من وقف الاستيطان نجدها مؤخرا تستعد للانسحاب من مدن فلسطينية في الضفة والإفراج عن أسرى فلسطينيين من معتقلاتها تتفرد هي بوضع معايير الإفراج عنهم وكذلك استعدادها لرفع بعض الحواجز في الضفة وتسهيل الحركة على جزء أخر منها , ويأتي ذلك ليكون هروبا واضحا من تقديم استحقاقات التسوية السياسية , لعدم قدرتها على تحمل تسوية القضايا النهائية , فجميع المؤشرات السياسية للوضع السياسي الفلسطين المحتلةى الداخلي تشير بوضوح إلى أن إسرائيل غير مؤهلة لتبنى حل منطقي لقضايا القدس واللاجئين والحدود .
أذا نضرنا إلى الجانب الفلسطيني نجد أفعى الانقسام تفتك بوحدة الصف الوطني الفلسطيني وتذهب القيادة الفلسطينية مجبرة نحو المفاوضات في وقت تفتت به البيت الفلسطيننى الذي تغلبت فيه النزاعات الحزبية الثانوية على النزاع المركزي وغلبت فيه الصالح الفئوية الضيقة على المصالح الوطنية العليا.
واستسهل باقي الأطراف توجيه الانتقادات ورفع أصوات المعارضة والمنددة بالمفاوضات المباشرة مع إسرائيل .
على الجانب العربي نجد الصراعات العربية _ العربية الممتدة أوصلت العرب إلى درجة فقدان القدرة على المبادرة السياسية وتمحور موقفهم في تقديم الدعم المعنوي للمفاوضات المباشرة دون أن يكون هناك دور عربي فاعل .
في ضل هذه البيئة السياسية التي تشير معطياتها إلى غير أهليتها لتحقيق تسوية سياسية دائمة بين الفلسطينيين والفلسطين المحتلةين.
هنا يعلو السؤال المنطقي وهو : هل تكون نتيجة المفاوضات المباشرة صفرا كبيرا كما سبقته نتيجة المفاوضات الغير مباشرة التي حققت صفرا صغيرا ؟ أم هناك معجزة سياسية تلوح في الأفق؟
على ضوء ذلك نجد بأن أمر تحقيق التسوية السياسية الدائمة خلال عام ؛ بناء على المبدأ القاضي: بأن المقدمات السليمة تفضي إلى نتائج سليمة ؛ يتطلب توفر بعض الشروط الهامة :
أولا: يجب إشراك حماس في تفاهم وطني ما مع منظمة التحرير الفلسطينية وبذلك يتحقق وجود موقف فلسطيني وطني واحد .
ثانيا : تعزيز الدور المصري حتى يصل لدرجة اكبر من القدرة على التأثير في المجريات السياسية في الإقليم الأمر الذي يستوجب تفاهم عربي _ عربي.
ثالثا : على الإدارة الأمريكية وعلى ضوء رؤيتها لأمر التسوية بأنه مصلحة قومية أمريكية ؛ ألا تكتفي بدور المضيف فهذا الدور اثبت فشله سابقا لهذا يجب أن تلقى بثقلها في المفاوضات المباشرة وتدفع إسرائيل نحو تقديم تنازلات جوهرية تجاه قضايا التسوية الدائمة الذي يجب أن يحترم رغبة وطموحات الرأي الوطني الفلسطيني العام والعربي حتى تحترمه الأجيال ويكون قابل للحياة.
تحقيق هذه الشروط الهامة قد يكون من شأنها تحقيق معجزة التسوية السياسية الدائمة ويكون توقيع اتفاقية إطار خلال عام.
الكاتب : فريد حماد قديح