كثيرا ما نسمع والدا يصيح في ابنه زاجرا إياه عن البكاء : عيب يا ولد كن رجلا و لكن كم مرة سمعنا هذا الوالد و هو يرى ابنته قد خرجت من بيتها محشورة في قطع من القماش الملون ، ينهاها قائلا : كوني ... امرأة
عجيب أمرك هذا ... و هل كون المرأة مرأة مدعاة للفخر حتى يقال : كوني امرأة
بل الأعجب أمركم أنتم ، و مال الأنوثة ليست مدعاة للفخر كالذكورة
أما إنك لتجادلين بما لم ينزل الله به سلطانا إنما النساء للخدور و الستور ، و ما القوامة إلا للرجال بل إنكم أنتم الذين تقولون ما لا تعلمون ، و تفترون على الدين ما ليس منه ألا إن خالق الذكر و الأنثى واحد و له في كل منهما آية و ما كان سبحانه ليخلق جنسا عبثا ، تعالى و تبارك سبحانه و لكن أمهلوني رويدا ، مالي و الحديث معكم و مجادلتكم فيما لا ينكره إلا جاهل
إنما جئت إليك أنتي .. نعم أنتي أنتي حب الأكوان و هدية الحنان المنان جئتك لآخذ بيدك الرقيقة الحانية و تمس أناملي أناملك الغضة الطرية لأهمس في أذنك و أصرخ في أعماقك و أصدح بين جنباتك كوني امرأة ...
تهفو إلى مثلها القلوب تتساءلين من هي تلك التي أبغيك مثلها بل لعلك تتساءلين من أنا ( أنا الحياء ) تاج يزدان على رأسك المرفوع بعزة الإسلام ( أنا العفة ) يفوح أريجها من بين أضلاعك التي تنطوي على قلب من خشية الله هو يضطرب و بحبه ينبض و باللجوء إليه يسكن ( أنا العزة ) سهام ترشق من نظرات عينيك عيناك اللتان أذبلهما كثرة السهاد و البكاء على بابه و النظر في ملكوته فاستحالتا بسواديهما كأنهما لآلئ حسان ما رأى مثلها إنس و لا جان ( أنا القدوة ) آخذ بيديك الرقيقين و أسير معك إلى حيث أترابك من الحور الحسان و أمهاتك أمهات المؤمنين ( أنا الذكر ) أنيسك في الوحشة و جليسك في الأنسة و خليل لسانك لا أفارقه ( أنا القرآن ) يدوي به صوتك في خشوع و يهمس به قلبك في خفوت و تجري عليه عيناك بالدموع نعم ..
إنه أنا أنا من يطلب منك أن تكوني امرأة امرأة كالتي حملت في أحشائها كلمة الله و تلك التي كان نصيبها أسد الإسلام صلاح الدين امرأة ...
تتزلزل لثباتها قلوب الرجال و تتصدع من مواقفها الجبال و ينزل جبريل بالسلام عليها من الله يبشرها بقصر في الجنة من قصب لا صخب فيه و لا نصب خديجة بنت خويلد رضي الله عنها و أرضاها أو كتلك التي اشترت الآخرة بالدنيا و هي ربية النعمة و الترف و القصور مرتعها هي التي كانت من وراء الخليفة الذي يُبعث أمة وحده هي امرأة تهفو إلى مثلها القلوب هي فاطمة بنت عبد الملك أو كهاتيك التي انهالت عليها سياط العذاب و أدمت جسدها المترف الناعم ضربات الكفرة فلم تزدد إلا إيمانا و ما كان جوابها إلا أن قالت :
۞رب ابن لي عندك بيتا في الجنة۞
هي امرأة .. زلزلت رجلا ادعى الألوهية نعم آسية امرأة فرعون اما آن الأوان .. أن تكوني امرأة
أما تنهضين فتنفضين عنك الغبار الذي نثره عليك أعدائك المتحررون .. المتحررون من نعيم الآخرة إلى رق الدنيا و ذلها و زينتها الفانية أوما علمت زهرتي النضيرة أنما سميت دنيا لأنها تدنت
إلى متى تظلين معلقة يا ريحانة القلب
إلى متى تظلين حزينة شاعرة بالملل و الفراغ
إلى متى تظل حياتك خاوية على امتلائها
إلى متى تظلين تعجبين بهذه و تلك من أنصاف العاريات .. و ليس الكاسيات أما تدركين يا ثمرة الفؤاد أنهن مهما لبسن و تعطرن و تزين ... أنهن عاريات
إنما الكساء و الثوب الساتر هو الدين ... الدين بكل أطرافه و نواحيه و اوامره و نواهيه هو الثوب الساتر فكلما مزقت منه طرفا أخيتي تمزق الثوب ... انشري ثوبك أمامك يا درة الإسلام و ارتديه بعزة .. أم تراه ممزقا لا يستر منك شيئا
بل اسمعي عجبا يا غالية أما ترين إلى الثوب إذا تمزق رقع فإذا رقع ترك مكانه أثرا فكذلك التوبة .. ترقع ثوبك غير انها لا تترك أثرا ... ذلك فضل ربك و خالقك العفو الغفور الذي لربما أقدمت على إغضابه في غفلة و نمت في سريرك الصغير الدافئ المريح و هو عليك عاتب ...
و أنت عنه في شغل لكم ناداك لتكوني امرأة و من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة و لا يظلمون نقيرا للرجال نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب مما اكتسبن فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض أما علمت أنكِ ... حارسة القلعة و حامية الحصن
أنتي اختاركِ الله لتكوني حصن الأمة فإن هوجمت الأمة فهي تؤتى من قبلك أنتي أنتي التي اختارك الله سكنا له ... ذلك القوي ذو القوامة خلقه و خلقك له ..
لأنه يحتاجك لا يحتاج أنصاف الكاسيات و أصحاب الجينزات و المرقعات و المكياج بل أنتي ..
الصالحة الملتزمة لأنك انتي امرأة أنت سكنه ... الحضن الذي يدفن فيه رأسه حين يعجز عن الاستمرار في دور القوة و الزعامة أنت سره و مستودعه الذي يترك له بيته آمنا أن أعتى قوة في الأرض لا يمكن أن تنال من وفائك و امانتك و عفتك و إخلاصك و أنتي ... مستقر المعجزة الإلهية العظمى التي على ترددها و تكرارها ..
تظل مبهرة اختارك أنتي و ليس هو لأنك أنتي امرأة لأنك أنتي الأقوى في غير عنف و الألين في غير ضعف منك أنتي يستقبل الملايين الحياة بصرخة تستعذبها أذناك تتلوها بسمة بلمسة حانية من يمناك اختارك انتي لها لأنك امرأة ... تهفو إلى مثلها القلوب حمَّلك سبحانه أمانة تعجز عنها السماوات و الأرض و يعجز عنها الرجال الأشداء أودع فيك سر خلقه و سر العفة و سر الوفاء أنتي هي حارسة القلعة و ليس هو فيك أنتي سر النهضة أنت المدرسة و المربية أنت أول من تتفتح عليه عين الحياة أنت حارسة قلعة الدين منذ ولدت ما بالك غفلت عن دورك يا درة الإسلام ما بالك حصرت نفسك في لباس و شعر و مكياج و دردشة و أغنية و مجلة و ممثلة ماذا حل بك وردتي الحلوة الرقيقة
أنتي الابنة و الأخت و الأم و الجدة أنت صوت الحق إذا لغى الباطل و أنت صوت العفة إذا رتع الفساد أنتي امرأة ... أتفهمين عظمة دورك و علو المسؤولية التي كلفت بها
ألم أقل لك .. تنوء بحملها الجبال و مع ذلك تقدرين أنت عليها لأنك امرأة .. تهفو إلى مثلها القلوب أعرفت من هي المرأة التي تهفو إلى مثلها القلوب
إنها خير متاع الدنيا نعم ..
هي بعينها هي المرأة الصالحة لأنها إذا صلحت أصلحت و إذا فسدت أفسدت هي كالجذور للشجرة فكيف بشجرة جذورها ميتة و الدين لها ، كالتربة للجذور فكيف بجذور تربتها مسمومة جافة
قد انبلج الصباح و استيقظ الديك و صاح و آن لي أن أدعك و نفسك تتفكرين في همستي .. ها أنا أنهض و أتركك ..
و لكن دعيني أهمس ثانية .. همسة حانية صادقة من القلب صادرة كوني امرأة ... تهفو إلى مثلها القلوب