: الخلفاء الراشدين .
سيدنا أبو بكر الصديق .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لاعلم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة الكرام :
الشي الذي يحير العقول في سيرة هؤلاء الأبطال أنهم كانوا قمماً في التقوى ، وفي الطاعة ، وفي الإخلاص ، وفي الحب وكانوا مع ذلك يخافون من الله خوفاً لو وزع على أهل بلد لكفروا .
أيها الأخوة المؤمنون :
كلام دقيق نضعه بين أيديكم ، يقول عليه الصلاة و السلام :
" رأس الحكمة مخافة الله "
و يقول عليه الصلاة و السلام:
" أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً "
ممكن أن تعرف حجم عقلك من حجم حبك ، وممكن أن تعرف حجم عقلك من حجم خوفك ، فكلما كنت أشد خوفاً من الله كان عقلك أرجح و كلما كنت أشد حباً لله عز وجل كان عقلك أرجح ، فبإمكانك أن تمتحن حجم عقلك ورجاحة عقلك من خلال حجم خوفك و حبك ، وقد ضربت لكم مثلاً من قبل " قد يبدو مضحكاً " لو أن إنساناً خيرناه بين قطرميز بلور وطني ، ثمنه عشرون ليرة سوري ، و بين كأس كريستال ثمنه مئتي ليرة ، أو قطعة ألماس ثمنها مئتا ألف ، و حينما يختار القطرميز نحكم على عقله وعلى جهله و على حماقته ، مع أنه أكبر بكثير ، وحينما يختار الكأس نقول لعله أذكى ممن اختار القطرميز، لكنه يبقى أقل عقلاً من الذي اختار قطعة الألماس الصغيرة جداً ، فأرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً ، هذا الصحابي الجليل دائماً كان يقول : يا ليتني كنت شجرة تعبط ، وسيدنا عمر كان دائماً يقول : ليت أم عمر لم تلد عمر ، ماذا رأى هذا الصحابي ؟ لم لا يقول أحدنا هذا الكلام ؟ و الله الذي لا إله إلا هو لا يخالط شعوري لثانية واحدة أن هذا الكلام يقال للاستهلاك، أو يقال تمثيلاً كما يقول الناس اليوم ، كانوا صادقين ، الصدق فضيلة كبرى كانوا صادقين مع أنفسهم ومع ربهم يبدو أنهم رأوا عظم المسؤولية التي ألقيت عليهم ، يبدو أنهم رأوا عظم الفضل الذي أنيط بهم يبدو أنهم رأوا هذا التكليف العظيم الذي كلفهم الله إياه ، يبدو أنهم رأوا أن الإنسان يحمل رسالة كبيرة جداً في الحياة لذلك كما قال الشاعر :
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله و أخو الجهالة في الشقاوة ينعم .
فالإنسان كلما صغر عقله ينبسط أكثر، وكما يقال : بطن ملآن كيف تمام يعيش ليأكل ، شيء جميل .
هناك من يأكل ليعيش ، هناك من يعيش ليأكل كلاهما لا يعجبني الذي يعيش ليأكل حيوان ، والذي يأكل ليعيش إنسان طبعاً ، ولكن هناك سؤال دقيق : تعيش لماذا ؟ يعيش ليأكل حيوان ، الآن يأكل ليعيش لابأس به أرقى بكثير . يعيش لماذا ؟ تعيش لماذا ؟ الإنسان لله عز وجل ، فالموضوع أكبر بكثير من أننا حضرنا درساً أو سمعنا درساً لطيفاً ، الموضوع رسالة . تعيش لماذا ؟ من أجل أن تأكل ! انظروا أيها الأخوة كيف أن الناس جميعاً يمشون في اتجاه إجباري يلد ، يدخل الإبتدائية يأخذ شهادة إعدادي ، ثانوي ، يريد أن يعمل ، يأخذ شهادة جامعية ، أو يتقن مصلحة أو حرفة ، يتزوج ، ينجب أولاداً ، يزوجهم ، يكبر قليلاً ، فتهمه صحته ، ثم يضعون نعوته ، هذه هي الحياة ! شيء ممل والله، طريق سالك ، طريق إجباري ، أم أن الإنسان أعظم من ذلك ، يحمل رسالة .
هذا النبي الكريم الذي جاء إلى الأرض و غادرها ، فهدى أمماً ، هؤلاء الصحابة الذين فتحوا بلاداً نشروا فيها الإسلام والفضيلة والسعادة و معرفة الله عز وجل .
لذلك يا مقلب القلوب كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول ، أنقل لكم ثلاث أقوال : النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
"عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ : يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ وَأَهْلُهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَخَافُ عَلَيْنَا وَقَدْ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ قَالَ إِنَّ الْقُلُوبَ بِيَدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا "
سيدنا الصديق يقول : ياليتني كنت شجرة تعبط ، سيدنا عمر يقول : ليت أم عمر لم تلد عمر ، أي أن هؤلاء الصحابة الكرام عرفوا خطورة المسؤولية .
أيها الأخوة :
سأضع بين أيديكم قصتين تتحدثان عن ورع هذا الخليفة العظيم ، الربيع الأسلم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان بيني وبين أبي بكر كلام ، حوار ، فقال لي كلمة كرهتها ، ولعل هذه الكلمة لو قلناها نحن لافتخرنا بها ، ولكن كلما ارتقى الإنسان يحاسب نفسه حساباً دقيقاً ، حساباً بالمثاقيل ، والله أحياناً ابتسامة ساخرة تهوي بها من عين الله ، أحياناً كلمة ، يعني أحياناً أحد ما يدخل إلى بيت فيجده صغيراً فيتساءل : كيف يسعك هذا البيت ؟ أنت ماذا فعلت بهذه الكلمة ...؟ أنت عملت عمل سيء جداً ، الإنسان اشترى هذا البيت و فرح به و ناظر إلى نفسه و كأنه بجنة ، اشترى و جمع ثمنه منذ ثلاثين سنة ، صغير آواه ، رتبه و فرشه و فرح به فأذهبت النشوة عنه المؤمن دائماً يسعى لإسعاد الناس لا لتصغير شأنهم ، لا لإفساد حياتهم على كل كان بيني و بين أبو بكر كلام ، يبدو أنه تكلم كلمة سيدنا الصديق ، فرأى في وجه أخيه ربيعة جمود ، ثم ندم عليها وقال لي : يا ربيعة رد علي مثلها حتى تكون قصاص ، قلت لا أفعل ، أعوذ بالله .
أخواننا الكرام :
كان أصحاب رسول الله يعرفون قيمة بعضهم ، هذا صحابي جليل ، هذا أمين سر رسول الله عليه الصلاة و السلام ، يعني يأتي واحد جديد فهل من السهولة أن يتطاول عليه ، قال : و الله لا أفعل ألم أقل لكم قبل درسين أو ثلاثة عندما سيدنا الصديق قال لسيدنا عمر : مد يدك لأبايعك ، قال له : لا أفعل ، أنت أعظم و أفضل مني فقال له : أنت أقوى مني ، قال له : قوتي مع فضلك أنا في خدمتك ، ولما سيدنا الصديق وقف على منبر رسول الله ، لم يجرؤعلى أن يقف مكان رسول الله ، صعد درجتان فقط ، لعل منبر النبي له أربع درجات فقط لكنه صعد درجتين فقط ، سيدنا عمر ما جرؤ على أن يقف في مقام أبي بكر ، قال : ما كان الله ليراني أن أرى نفسي في مقام أبي بكر ، يعني إذا كان أخوة في حلقة يجب أن يعرفوا قدر بعضهم ، هذا أكبر سناً ، هذا أقدم ، هذا من عشر سنوات ، يجب أن تعرف قيمة أخوك الأكبر منك ، أكبر قدراً ، أكبر علماً ، أقدم سناً ، أقدم في انتمائه لهذه الحلقة الطيبة مثلاً ، الاحترام المتبادل ، انظر في الجيش تسلسل في الرتب ، يوجد إجراءات قاسية جداً ، إذا الإنسان تجاوزها يعاقب و أهل الإيمان كذلك في مراتب ، في أسبقيه ، قال : والله لا أفعل ، أعوذ بالله ، فقال لي: لتأخذن بحقك مني أو لأشكونك لرسول الله ، أنا أستنبط استنباطاً دقيقاً : أن هذا الصحابي الجليل كم قلبه عامر بذكر الله ، فلما رأى في وجه أخيه كراهية كلمة قالها ندم ندماً شديداً و هذا الندم و هذا الاختلال لايرأبه ولا يصلحه إلا أن يقتص منه ، قلت ما أنا بفاعل ، والله لايعقل أنا معجب بالأدب بين الصحابة ، لأنني ذات مرة قرأت عن سيدنا زيد الخير رضي الله عنه ، رجل من وجهاء الجاهلية كان شهماً كان صاحب مروءة وكان جميل الصورة فلما قدم النبي عليه الصلاة والسلام وقف في مؤخرة المسجد فلفت نظر النبي فلما انتهت خطبته وصلاته سأله من الرجل ؟ فأجابه أنا زيد الخيل ، فقال له عليه الصلاة والسلام : بل أنت زيد الخير ، مباشرة غير له اسمه ، النتيجة دعاه إلى البيت ، وقال له والله يا زيد ماوصف لي رجل إلا رأيته دون ما وصف إلا أنت وصف له فلما رآه رآه فوق ما وصف ، لله درك يازيد ، فالرجل حديث عهد بالإسلام ، ربما إسلامه حوالي نصف ساعة ، عمر إسلامه نصف ساعة ، فالنبي قدم له وسادة ليتكئ عليها ، ماذا قال له ؟ قال له : والله لاأتكئ في حضرتك يارسول الله . ماهذا الأدب ؟ لايتكئ في حضرته .
حدثني أخ البارحة ، أعني رجلاً جالس في مسجد غير هذا المسجد يحضر خطبة جمعة ، وكما تعلمون في المسجد يوجد أماكن للجلوس مريحة في بعض مرافقه ، يعني رجل فوق رجل ، هذا المنظر لايناسب فالنبي عليه الصلاة والسلام مارؤي ماداً رجليه قط ، وهو سيد الخلق وحبيب الحق .
فالإنسان كلما اقترب من الله عز وجل ازداد أدباً حتى أن أصحاب رسول الله تحيروا في أدب رسول الله ، قالوا : يا رسول الله ماهذا الأدب ؟ قال : أدبني ربي فأحسن تأديبي .
فالمؤمن الله يؤدبه ويؤدبه حتى تراه كالملاك ، كلماته لطيفة لايوجد عنده كلمة تنبو عن السمع ، قال له : والله لاأفعل ، قال : فذهب عني منطلقاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، وانطلقت وراءه ، فجاء أناس من أسلم فقالوا : يرحم الله أبا بكر في أي شيء يستعلي عليك الرسول هو لايستعلي عليه الرسول ، هو يريد أن يقتص منه حتى يرتاح ، هل ترون حساب النفس ما أدقه ، وهو الذي قال لك ماقال ، قلت لهم اسكتوا هذا أبو بكر ، هذا الذي قال الله عنه ثاني اثنين إذ هما في الغار ، في القرآن اسمه موجود ، هذا الذي قال عنه ثاني اثنين إذ هما في الغار ، إياكم لايلتفت فيراكم تنصرونني عليه فيغضب ، فإذا غضب أبوبكر غضب رسول الله لغضبه وإذا غضب رسول الله غضب الله لغضبهما فيهلك ربيعة ، فهم عارفين لمقامات بعضهم تماماً ، عارف من هو الصديق ، هذا الصاحب الأمين ، هذا الذي فدى النبي بحياته ، فداه بماله وانطلقت وراء أبي بكر ، فأتى الرسول فحدثه بما كان ، فرفع إلي الرسول رأسه وقال : يا ربيعة ما لك وللصديق ؟ قلت : يارسول الله إنه قال لي كلمة كرهتها ثم طلب إلي أن أردها عليه لتكون قصاصاً فأبيت ، أنا لم أفعل شيء ، فقال عليه الصلاة والسلام : أحسنت يا ربيعة هكذا أريدك ، أحسنت يا ربيعة لاتردها عليه ، ولكن قل : غفر الله لك يا أبا بكر ، أي أن هذا أسلوب إذا أخاك قال لك كلمة قاسية ، قل له غفر الله لك .
سمعت صحابي جليل أخوه تكلم معه كلمة ، فقال له : إن كنت صادقاً فيما قلت فغفر الله لي ، وإن كنت أنا الصادق فغفر الله لك ، ففي كلا الحالتين ليغفر الله لنا .
قال : فولى أبو بكر وهو يبكي عرف مقامه عند رسول الله ومقامه عند الصحابة ، كما عرف أدب هذا الصحابي الجليل ، يعني أحياناً إنسان من موقف أديب يهدي إنساناً .
ذات مرة أخبرتكم بقصة حدثني بها أخ كان ببلد عربي معار للتدريس ، وكان يوجد في المدرسة فراش ، يعني هذا أهون إنسان على المجتمع في هذا البلد ، من بلاد شرقي آسيا معاشه خمسمائة ريال ، كل حياته عبارة عن فرشة اسفنج 2 سم وبسمار يعلق عليها كيس فيه حاجاته ، خمسمائة ريال معاشه الشهري ، وهذا مبلغ عندهم ضخم جداً يحول معظمه إلى أهله ، وكل عشرين إنسان بغرفة واحدة فرشة اسفنج 2سم وبسمار ، فقال لي : أنا مدرس بهذه المدرسة شاهدت هذا الفراش يقوم بالمسح ، معي كأس من الشاي صببته لي حديثاً ، فقلت له : تفضل ، هل تصدقون أيها الإخوة أن هذا الكأس من الشاي الذي قدمه لهذا الفراش كان سبب إسلامه ، الفراش نظر إليه صار له خمس سنوات في هذه المدرسة لم يسلم عليه إنسان ، لم يقرأ عليه إنسان السلام ، وهو يعمل بصمت بهذا الأجر الزهيد ، قال له : لماذا قدمت لي هذا الكأس ؟ قال له والله لا لشيء إلا لأني رأيتك تخدمنا ، يعني نوع من المودة ، قال له : أنا أحمل ماجستير في العلوم ، هذا الفقر ، فقال لي : لما سمعت أنه يحمل ماجستير في العلوم صعقت ، قال لي : دعيته إلى البيت ودعيت أستاذ علوم يحمل شهادة عليا وجئنا بموسوعة باللغة الإنكليزية وقلنا له اقرأ ، أي انظر كلام دعوة هذه ماجستير بالعلوم فراش ، قرأ وشرح ، يعني كلامه صحيح ، هو طبعاً ليس مسلماً، لاأعرف هندوسي ، سيخ لاأعرف ، قال : ماالذي دعاكم لأن تدعوني للبيت وهذا شرف عظيم ، فقالوا له : نحن نتمنى أن تكون مسلماً ، قال: ما الاسلام ؟ قال لي هذا الصديق : والله بقينا أربعة أسابيع كل يوم ندعوه إلى البيت ونشرح له الاسلام إلى أن أعلن إسلامه واتصل بالله عز وجل ، ويعني كما يقال في التاريخ حسن إسلامه .
الإنسان على الله غالي كثيراً ، تصور كأس شاي قدمه لإنسان وجدها كبيرة جداً ، فأنا أتمنى الإنسان أن يكون دقيقاً ، لو عندك صانع بالمحل ، هذا صانع عندك أما عند الله ليس صانعاً وإنما هو عبد لله ، قد يكون عند الله أعظم منك ، قد يكون أقرب إلى الله منك وأنت صاحب المحل ، وأنت عضو غرفة التجارة طويل عريض ومستورد كبير وعندك معملاً ، قد يكون هذا الصانع الذي معاشه ألفان وخمس مائة وليس يملك من الدنيا شيء قد يكون أقرب إلى الله منك .
فالإنسان كلما ارتقى إيمانه يحترم الآخرين ، ولا يتكبر عليهم والدليل سيدنا الصديق قال : وليت عليكم ولست بخيركم .
يوجد قصة ثانية لابأس من ذكرها ، قال أبو الدرداء : كنت جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر أخذاً بطرف ثوبه وقال يا رسول الله إنه كان بيني وبين عمر بن الخطاب شيء فأسرعت إليه نادماً وسألته أن يغفر لي فأبى علي ، هذا المقام الذي حصله سيدنا الصديق أعلى مكان بين الصحابة ، وهذا المقام ورعه الشديد ، الخوف الشديد ، مرة قلت لكم أن النبي سأل أصحابه من عاد مريضاً ، فقال الصديق : أنا ، من سار في جنازة قال الصديق : أنا ، من تصدق على مسكين ، قال الصديق : أنا ، من وصل رحمه ، قال : أنا ، رجل قمة في العمل الصالح ، فقال النبي : يغفر الله لك يا أبا بكر ، ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فلم يجده ، ثم أتى النبي عليه الصلاة والسلام فقال : يا نبي الله أنا كنت أظلم ، يا رسول الله أنا كنت أظلم ، فقال عليه الصلاة والسلام ، اسمعوا أيها الأخوة إلى إنصاف النبي قال : إن الله قد بعثني إليكم فقلتم جميعاً كذبت وقال لي أبو بكر صدقت ، أول من أسلم الصديق ، ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كان له كبوة إلا أخي أبا بكر ، لم يتلعثم ، فقلتم لي كذبت وقال أبو بكر لي صدقت ، وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي ، ما ساءني قط فاعرفوا له ذلك ، هذا مقام كبير ومع ذلك لما النبي توفي لم يختل توازنه ، ما اختل توحيده قال : من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت .
إخوانا الكرام :
كان هذا الصحابي يفعل شيئاً لا يصدق قبل أن يكون خليفةً كانت له خدمات جلى لأبناء حيه ، من هذه الخدمات أن له جيران يتامى صغارى وعلى رأسهم عجوز كبيرة في السن فكان يحلب لهم الشياه في الليل ، يؤم هذه البيوت يحلب لهم الشياه ويؤم بيوت أخر فيطهو لهم الطعام ، كان يقدم خدمات يترفع عنها أصغر داعية الآن ، أنا أخدم فلان الآن كلام فقط وإلقاء خطب ، كان هذا الصحابي الجليل يقوم بخدمات يترفع عنها أصغر داعية ، ولما صار خليفة ، تناهى إلى سمعه حسرة العجائز لأنهن سيحرمن من هذه الخدمة الجليلة من هذا الرجل الصالح ، وذات يوم يقرع دار تلك الدور ، تسارع فتاة صغيرة لتفتح الباب حتى تصيح جاء حالب الشاة ، من هو حالب الشاة ؟ سيدنا الصديق خليفة رسول الله خليفة المسلمين ، لما عرفت أن سيدنا الصديق طرق الباب وهو خليفة المسلمين قالت : ويحك يا بنيتي ألا تقولين خليفة رسول الله ما هذا الكلام ؟ قال : يقول كتاب السيرة : يطرق مع نفسه ويهمهم كلمات لعل لسان حاله يقول دعيها لقد وصفتني بأحب الأعمال إلى الله هذا الوصف أحب إليه من كلمة خليفة المسلمين .
يوجد تعليق أعجبني أقرأه إليكم ، قال : لو قدر لأبو بكر بشمائله الفذة أن يكون في منصب الخلافة في عصرنا هذا أكان منهجه سيتغير ؟ يقول كاتب السيرة إنه لم يحلب الشياه ولكن سوف يقدم خدمات أخرى تتناسب مع هذا العصر ، تعليق لطيف ، لذلك وصف النبي هذا الصحابي الجليل
" عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ "
وأرحم الخلق بالخلق رسول الله ، وكلما ازدادت الرحمة في قلبك دليل أنك أقرب إلى الله ، وأبعد قلب عن الله عز وجل القلب القاسي ، والراحمون يرحمهم الله ، وإذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي .
هل تعرفون أنه يوجد امرأة بغي رأت كلباً يلهث من شدة العطش ، يأكل الثرى من شدة العطش فنزلت إلى بئر وملأت خفها ماءً وارتقت وسقت هذا الكلب فغفر الله لها ، أن ترحم حيوان ، أن ترحم إنسان ، أن ترحم طفل صغير ، أن ترحم صانع في المحل عندك ، أنا تأتيني شكاوي أنه يوجد طفل يتيم في محل يتمنى أن يأخذ شهادة فطلب من معلمه أن يخرج من المحل قبل ساعة إلى مدرسة ليلية فلم يرض وقال : عندما يتعلم يترك من عندي دعه خادم عندي ، أما ابنه فيقول دفعت له ثماني عشر ألف ليرة دروس خاصة ، يحبه أن يكون طبيب أما ابن الناس أحب أن يأخذ شهادة وقال له : إذا تغيبت ساعة تأتي إلى هذا المحل ، قلب مثل الصخر ، مرة شاهدت بعيني صاحب محل تجاري ابنه في العطلة الصيفية كان في المحل ويوجد صانع عنده من سن ابنه تماماً فبعث أثواب إلى جهة وحمل هذا الصانع أول ثوب وثاني ثوب وثالث ثوب فلم يستطع أن يحمل فقال هذا الصانع : لم أستطع يا سيدي ، فقال له صاحب المحل : أنت شاب احمل ، ولم ينتبه إلى نفسه فابنه حمل ، فقال له : انتبه يا بني ظهرك .
هذه العنصرية ، التناقض البشع المخزي ، إذا لم يكن عندك رحمة عامة رحمتك بأولادك لا قيمة لها لأنها فطرية ، وليست كسبية أودعها الله فيك كي تستمر الحياة ، لكن بطولتك في الرحمة العامة أن ترحم إنسان لا تعرفه ، ارحم إنسان مقطوع ليس له أحد ، إنسان ضعيف ، هذه هي الرحمة ، شيء طبيعي جداً أن ترحمه .
سيدنا الصديق يوجد في قلبه رحمة كبيرة ، عندما رأى سيدنا بلال يعذب من قبل سيده صفوان بن أمية أراد أن يشتريه منه وعندما اتفقا على بيع بلال إلى سيدنا الصديق كي ينقذه من العذاب ، يقول صفوان تحقيراً لشأن بلال : خذه فلو أبيت إلا أوقية واحدة لبعتك بها ، فقال سيدنا الصديق : والله لو أبيت إلا مائة ألف لأعطيتك ، إذا لم يساوي عندك أوقية يساوي عندي مائة ألف ، اشتراه منه ووضع يده تحت إبطه وقال هذا أخي حقاً .
كان أصحاب رسول الله إذا ذكر الصديق القرشيون ، الهاشميون ، الذين هم من أرومة قريش ، كانو إذا ذكر الصديق يقولون : هو سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلال .
سيدنا عمر خليفة المؤمنين علم أن بلالاً قدم المدينة فخرج لاستقباله ، حسب البروتوكولات الحديثة إذا كان الضيف رئيس دولة يستقبله رئيس دولة ، إذا الضيف رئيس وزارة يستقبله رئيس وزارة ، إذا الضيف رئيس خارجية يستقبله رئيس خارجية ، أما يخرج أعلى شخصية يستقبل عبد هذا الإسلام .
يوجد قصة تعرفونها ، وقف أبو سفيان ساعات طويلة في باب عمر لم يؤذن له ، وصهيب وبلال يدخلان بلا استئذان ، فتألم أبو سفيان فلما دخل على عمر عاتبه ، وقال له : أبو سفيان زعيم قريش يقف ببابك ساعات طويلة و لايؤذن له وصهيب وبلال يدخلان ويخرجان بلا استئذان ، فقال له سيدنا عمر أنت مثلهما عندما كانا يعذبان ، أنت خضت ثلاث حروب ضد رسول الله وهم كانوا يجاهدون .
من الطريف أن الناس تناقلوا في مكة ما كان من أبي بكر وشرائه بلالاً فصار الإنسان إذا دخل بضائقة مالية يعذب العبد الذي يملكه حتى يشتريه الصديق .
هذه مما يروى من طرائف الأخبار ، قال لم يعرف أنه مرة واحدة قاتل أو شاتم أو أساء ، أو تخلى عن مروءة ، أو بخل بماله أو جاهه .
بعد وفاة سيدنا أبي بكر رضي الله عنه ذهب عمر يسأل زوجته أسماء بنت عميص كيف كان أبو بكر يعبد ربه عندما يخلو بنفسه ؟ فأجابته قائلةً : كان إذا جاء وقت السحر قبيل الفجر قام فتوضأ وصلى ثم يستمر يصلي ، ويتلو القرآن ويبكي ويسجد ويبكي ويدعو ويبكي وكنت أنا أشم في البيت رائحة كبد تشوى ، فبكى عمر رضي الله عنه وقال: أنى لابن الخطاب مثل هذا ، قال عمر : ما أنا إلا حسنة من حسنات أبي بكر .
بعض كتاب السيرة يصفون شكله ، الآن نحن متشوقون إلى أن نعرف شكله ، قال : كان أبيض اللون ، نحيل الجسم ، خفيف العارضين ، أحنى الظهر ، معروق الوجه ، غائر العينين ، ناتئ الجبهة ،عاري الأشاجين ، كما يقال أيضاً : كان يرى ضعيفاً مستضعفاً ، فإذا جد الجد
فهو الليث عادياً ، كان يرى أكثر دهره صامتاً ، فإذا تكلم بز القائلين .
مرة مدح هذا الصحابي الجليل ، فقال : اللهم اجعلني خيراً مما يقولون ، طموح ، أثنوا عليه ، قال أيضاً : و اغفر لي ما لا يعلمون ، ولا تؤاخذني بما يقولون ، إنني أرى من السنة إذا الإنسان مدح أن يستغفر الله ، إذا الإنسان مدح هناك نص أكبر من هذا الدعاء ، كان إذا مدح هذا الصحابي الجليل يقول : اللهم أنت أعلم بي من نفسي ، وأنا أعلم بنفسي منهم ، اللهم اجعلني خيراً مما يقولون واغفر لي مالا يعلمون و لا تؤاخذني لما يقولون .
و الله الحديث عن هؤلاء الصحابة يعني الحديث الممتع و المسعد ، و الإنسان إذا تحدث عن أصحاب رسول الله عاش في جنة القرب ، في وهج الأخلاق ، في روعة البطولات ، في جمال القيم ، قيم على بطولات على قرب من الله ، على إخلاص ، على تواضع ،على فطنة ، على ذكاء ، على مواقف حازمة ، فالإنسان يحتاج إلى هذه المثل ، و إلى تلك القيم ، كي يهتدي بها في حياته ، و الإنسان يقلد ، نحن إذا فعلنا عمل طيب تقليد ، لكن أصحاب رسول الله الكرام كانت أفعالهم أصيلة حقيقية .
.... ما القصد من تدريس سير صحابة رسول الله ..؟ إلا أن يكون هؤلاء الصحابة الكرام الذين رضي الله عنهم بالقرآن الكريم ، يقول عليه الصلاة و السلام : إن الله اختارني و اختار لي أصحابي ، و هؤلاء الصحابة الكرام نماذج بشرية و لكن راقية جداً ، ولا بد لواحد منا من أن يلتقي مع أحد الصحابة إما في السن ، أو في الدور الاجتماعي إما في الموقف ، أو في النموذج ، لذلك كل إنسان من المؤمنين ينبغي أن يتخذ من أحد الصحابة الكرام الذي يتوافق مع مرتبته مع دوره الاجتماعي ، مع منشئه مثلاً ليكون هذا الصحابي الكريم قدوة لنا ، فسيدنا الصديق هو التلميذ الأول لرسول الله أصدقهم و أكملهم و أشدهم حباً و وفاءً و تضحيةً و أشدهم إباءً ، أقربهم إلى الله عز وجل .
أحب أن أقول كلمة قبل أن أختم هذا الدرس ، أن أبواب البطولات مفتحة في كل كل العصور ، أليس بإمكانك أن تكون دقيقاً جداً في تعاملك مع إخوانك أليس بإمكانك أن تضحي من أجل نشر هذا الحق ، أبواب الخير مفتحة في كل العصور ، فلذلك نحن حين ندرس هذه الموضوعات القصد أن تترجم إلى ممارسات وأن يكون هؤلاء الصحابة الكرام في قلوبنا و في حياتنا و سوف ننتقل في دروس قادمة ، إن شاء الله إلى نماذج من الصالحين بحسب ما يتيسر إما التابعين أوالعلماء الكبار و أبطال الفقه و نبقى في هذا الدرس بسير أعلام المسلمين ، أنهينا ثلاثاً و سبعين درساً في سير صحابة رسول الله ، خمسون درساً في سير أصحاب رسول الله ، و ثلاثة و عشرون درساً في الأربعة الراشدين : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فمجموع الدروس الآن ثلاثة و سبعون درساً ، و سوف نتابع هذه الدروس إن شاء الله و تعالى في الحديث عن كبار الفقهاء و المحدثين ، وهؤلاء أعلام الأمة الذين نقتدي بهم و نجعلهم قدوة لنا في توجهنا إلى الله عز وجل .
الحمد لله رب العالمين
سيدنا أبو بكر الصديق .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لاعلم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة الكرام :
الشي الذي يحير العقول في سيرة هؤلاء الأبطال أنهم كانوا قمماً في التقوى ، وفي الطاعة ، وفي الإخلاص ، وفي الحب وكانوا مع ذلك يخافون من الله خوفاً لو وزع على أهل بلد لكفروا .
أيها الأخوة المؤمنون :
كلام دقيق نضعه بين أيديكم ، يقول عليه الصلاة و السلام :
" رأس الحكمة مخافة الله "
و يقول عليه الصلاة و السلام:
" أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً "
ممكن أن تعرف حجم عقلك من حجم حبك ، وممكن أن تعرف حجم عقلك من حجم خوفك ، فكلما كنت أشد خوفاً من الله كان عقلك أرجح و كلما كنت أشد حباً لله عز وجل كان عقلك أرجح ، فبإمكانك أن تمتحن حجم عقلك ورجاحة عقلك من خلال حجم خوفك و حبك ، وقد ضربت لكم مثلاً من قبل " قد يبدو مضحكاً " لو أن إنساناً خيرناه بين قطرميز بلور وطني ، ثمنه عشرون ليرة سوري ، و بين كأس كريستال ثمنه مئتي ليرة ، أو قطعة ألماس ثمنها مئتا ألف ، و حينما يختار القطرميز نحكم على عقله وعلى جهله و على حماقته ، مع أنه أكبر بكثير ، وحينما يختار الكأس نقول لعله أذكى ممن اختار القطرميز، لكنه يبقى أقل عقلاً من الذي اختار قطعة الألماس الصغيرة جداً ، فأرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً ، هذا الصحابي الجليل دائماً كان يقول : يا ليتني كنت شجرة تعبط ، وسيدنا عمر كان دائماً يقول : ليت أم عمر لم تلد عمر ، ماذا رأى هذا الصحابي ؟ لم لا يقول أحدنا هذا الكلام ؟ و الله الذي لا إله إلا هو لا يخالط شعوري لثانية واحدة أن هذا الكلام يقال للاستهلاك، أو يقال تمثيلاً كما يقول الناس اليوم ، كانوا صادقين ، الصدق فضيلة كبرى كانوا صادقين مع أنفسهم ومع ربهم يبدو أنهم رأوا عظم المسؤولية التي ألقيت عليهم ، يبدو أنهم رأوا عظم الفضل الذي أنيط بهم يبدو أنهم رأوا هذا التكليف العظيم الذي كلفهم الله إياه ، يبدو أنهم رأوا أن الإنسان يحمل رسالة كبيرة جداً في الحياة لذلك كما قال الشاعر :
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله و أخو الجهالة في الشقاوة ينعم .
فالإنسان كلما صغر عقله ينبسط أكثر، وكما يقال : بطن ملآن كيف تمام يعيش ليأكل ، شيء جميل .
هناك من يأكل ليعيش ، هناك من يعيش ليأكل كلاهما لا يعجبني الذي يعيش ليأكل حيوان ، والذي يأكل ليعيش إنسان طبعاً ، ولكن هناك سؤال دقيق : تعيش لماذا ؟ يعيش ليأكل حيوان ، الآن يأكل ليعيش لابأس به أرقى بكثير . يعيش لماذا ؟ تعيش لماذا ؟ الإنسان لله عز وجل ، فالموضوع أكبر بكثير من أننا حضرنا درساً أو سمعنا درساً لطيفاً ، الموضوع رسالة . تعيش لماذا ؟ من أجل أن تأكل ! انظروا أيها الأخوة كيف أن الناس جميعاً يمشون في اتجاه إجباري يلد ، يدخل الإبتدائية يأخذ شهادة إعدادي ، ثانوي ، يريد أن يعمل ، يأخذ شهادة جامعية ، أو يتقن مصلحة أو حرفة ، يتزوج ، ينجب أولاداً ، يزوجهم ، يكبر قليلاً ، فتهمه صحته ، ثم يضعون نعوته ، هذه هي الحياة ! شيء ممل والله، طريق سالك ، طريق إجباري ، أم أن الإنسان أعظم من ذلك ، يحمل رسالة .
هذا النبي الكريم الذي جاء إلى الأرض و غادرها ، فهدى أمماً ، هؤلاء الصحابة الذين فتحوا بلاداً نشروا فيها الإسلام والفضيلة والسعادة و معرفة الله عز وجل .
لذلك يا مقلب القلوب كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول ، أنقل لكم ثلاث أقوال : النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
"عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ : يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ وَأَهْلُهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَخَافُ عَلَيْنَا وَقَدْ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ قَالَ إِنَّ الْقُلُوبَ بِيَدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا "
سيدنا الصديق يقول : ياليتني كنت شجرة تعبط ، سيدنا عمر يقول : ليت أم عمر لم تلد عمر ، أي أن هؤلاء الصحابة الكرام عرفوا خطورة المسؤولية .
أيها الأخوة :
سأضع بين أيديكم قصتين تتحدثان عن ورع هذا الخليفة العظيم ، الربيع الأسلم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان بيني وبين أبي بكر كلام ، حوار ، فقال لي كلمة كرهتها ، ولعل هذه الكلمة لو قلناها نحن لافتخرنا بها ، ولكن كلما ارتقى الإنسان يحاسب نفسه حساباً دقيقاً ، حساباً بالمثاقيل ، والله أحياناً ابتسامة ساخرة تهوي بها من عين الله ، أحياناً كلمة ، يعني أحياناً أحد ما يدخل إلى بيت فيجده صغيراً فيتساءل : كيف يسعك هذا البيت ؟ أنت ماذا فعلت بهذه الكلمة ...؟ أنت عملت عمل سيء جداً ، الإنسان اشترى هذا البيت و فرح به و ناظر إلى نفسه و كأنه بجنة ، اشترى و جمع ثمنه منذ ثلاثين سنة ، صغير آواه ، رتبه و فرشه و فرح به فأذهبت النشوة عنه المؤمن دائماً يسعى لإسعاد الناس لا لتصغير شأنهم ، لا لإفساد حياتهم على كل كان بيني و بين أبو بكر كلام ، يبدو أنه تكلم كلمة سيدنا الصديق ، فرأى في وجه أخيه ربيعة جمود ، ثم ندم عليها وقال لي : يا ربيعة رد علي مثلها حتى تكون قصاص ، قلت لا أفعل ، أعوذ بالله .
أخواننا الكرام :
كان أصحاب رسول الله يعرفون قيمة بعضهم ، هذا صحابي جليل ، هذا أمين سر رسول الله عليه الصلاة و السلام ، يعني يأتي واحد جديد فهل من السهولة أن يتطاول عليه ، قال : و الله لا أفعل ألم أقل لكم قبل درسين أو ثلاثة عندما سيدنا الصديق قال لسيدنا عمر : مد يدك لأبايعك ، قال له : لا أفعل ، أنت أعظم و أفضل مني فقال له : أنت أقوى مني ، قال له : قوتي مع فضلك أنا في خدمتك ، ولما سيدنا الصديق وقف على منبر رسول الله ، لم يجرؤعلى أن يقف مكان رسول الله ، صعد درجتان فقط ، لعل منبر النبي له أربع درجات فقط لكنه صعد درجتين فقط ، سيدنا عمر ما جرؤ على أن يقف في مقام أبي بكر ، قال : ما كان الله ليراني أن أرى نفسي في مقام أبي بكر ، يعني إذا كان أخوة في حلقة يجب أن يعرفوا قدر بعضهم ، هذا أكبر سناً ، هذا أقدم ، هذا من عشر سنوات ، يجب أن تعرف قيمة أخوك الأكبر منك ، أكبر قدراً ، أكبر علماً ، أقدم سناً ، أقدم في انتمائه لهذه الحلقة الطيبة مثلاً ، الاحترام المتبادل ، انظر في الجيش تسلسل في الرتب ، يوجد إجراءات قاسية جداً ، إذا الإنسان تجاوزها يعاقب و أهل الإيمان كذلك في مراتب ، في أسبقيه ، قال : والله لا أفعل ، أعوذ بالله ، فقال لي: لتأخذن بحقك مني أو لأشكونك لرسول الله ، أنا أستنبط استنباطاً دقيقاً : أن هذا الصحابي الجليل كم قلبه عامر بذكر الله ، فلما رأى في وجه أخيه كراهية كلمة قالها ندم ندماً شديداً و هذا الندم و هذا الاختلال لايرأبه ولا يصلحه إلا أن يقتص منه ، قلت ما أنا بفاعل ، والله لايعقل أنا معجب بالأدب بين الصحابة ، لأنني ذات مرة قرأت عن سيدنا زيد الخير رضي الله عنه ، رجل من وجهاء الجاهلية كان شهماً كان صاحب مروءة وكان جميل الصورة فلما قدم النبي عليه الصلاة والسلام وقف في مؤخرة المسجد فلفت نظر النبي فلما انتهت خطبته وصلاته سأله من الرجل ؟ فأجابه أنا زيد الخيل ، فقال له عليه الصلاة والسلام : بل أنت زيد الخير ، مباشرة غير له اسمه ، النتيجة دعاه إلى البيت ، وقال له والله يا زيد ماوصف لي رجل إلا رأيته دون ما وصف إلا أنت وصف له فلما رآه رآه فوق ما وصف ، لله درك يازيد ، فالرجل حديث عهد بالإسلام ، ربما إسلامه حوالي نصف ساعة ، عمر إسلامه نصف ساعة ، فالنبي قدم له وسادة ليتكئ عليها ، ماذا قال له ؟ قال له : والله لاأتكئ في حضرتك يارسول الله . ماهذا الأدب ؟ لايتكئ في حضرته .
حدثني أخ البارحة ، أعني رجلاً جالس في مسجد غير هذا المسجد يحضر خطبة جمعة ، وكما تعلمون في المسجد يوجد أماكن للجلوس مريحة في بعض مرافقه ، يعني رجل فوق رجل ، هذا المنظر لايناسب فالنبي عليه الصلاة والسلام مارؤي ماداً رجليه قط ، وهو سيد الخلق وحبيب الحق .
فالإنسان كلما اقترب من الله عز وجل ازداد أدباً حتى أن أصحاب رسول الله تحيروا في أدب رسول الله ، قالوا : يا رسول الله ماهذا الأدب ؟ قال : أدبني ربي فأحسن تأديبي .
فالمؤمن الله يؤدبه ويؤدبه حتى تراه كالملاك ، كلماته لطيفة لايوجد عنده كلمة تنبو عن السمع ، قال له : والله لاأفعل ، قال : فذهب عني منطلقاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، وانطلقت وراءه ، فجاء أناس من أسلم فقالوا : يرحم الله أبا بكر في أي شيء يستعلي عليك الرسول هو لايستعلي عليه الرسول ، هو يريد أن يقتص منه حتى يرتاح ، هل ترون حساب النفس ما أدقه ، وهو الذي قال لك ماقال ، قلت لهم اسكتوا هذا أبو بكر ، هذا الذي قال الله عنه ثاني اثنين إذ هما في الغار ، في القرآن اسمه موجود ، هذا الذي قال عنه ثاني اثنين إذ هما في الغار ، إياكم لايلتفت فيراكم تنصرونني عليه فيغضب ، فإذا غضب أبوبكر غضب رسول الله لغضبه وإذا غضب رسول الله غضب الله لغضبهما فيهلك ربيعة ، فهم عارفين لمقامات بعضهم تماماً ، عارف من هو الصديق ، هذا الصاحب الأمين ، هذا الذي فدى النبي بحياته ، فداه بماله وانطلقت وراء أبي بكر ، فأتى الرسول فحدثه بما كان ، فرفع إلي الرسول رأسه وقال : يا ربيعة ما لك وللصديق ؟ قلت : يارسول الله إنه قال لي كلمة كرهتها ثم طلب إلي أن أردها عليه لتكون قصاصاً فأبيت ، أنا لم أفعل شيء ، فقال عليه الصلاة والسلام : أحسنت يا ربيعة هكذا أريدك ، أحسنت يا ربيعة لاتردها عليه ، ولكن قل : غفر الله لك يا أبا بكر ، أي أن هذا أسلوب إذا أخاك قال لك كلمة قاسية ، قل له غفر الله لك .
سمعت صحابي جليل أخوه تكلم معه كلمة ، فقال له : إن كنت صادقاً فيما قلت فغفر الله لي ، وإن كنت أنا الصادق فغفر الله لك ، ففي كلا الحالتين ليغفر الله لنا .
قال : فولى أبو بكر وهو يبكي عرف مقامه عند رسول الله ومقامه عند الصحابة ، كما عرف أدب هذا الصحابي الجليل ، يعني أحياناً إنسان من موقف أديب يهدي إنساناً .
ذات مرة أخبرتكم بقصة حدثني بها أخ كان ببلد عربي معار للتدريس ، وكان يوجد في المدرسة فراش ، يعني هذا أهون إنسان على المجتمع في هذا البلد ، من بلاد شرقي آسيا معاشه خمسمائة ريال ، كل حياته عبارة عن فرشة اسفنج 2 سم وبسمار يعلق عليها كيس فيه حاجاته ، خمسمائة ريال معاشه الشهري ، وهذا مبلغ عندهم ضخم جداً يحول معظمه إلى أهله ، وكل عشرين إنسان بغرفة واحدة فرشة اسفنج 2سم وبسمار ، فقال لي : أنا مدرس بهذه المدرسة شاهدت هذا الفراش يقوم بالمسح ، معي كأس من الشاي صببته لي حديثاً ، فقلت له : تفضل ، هل تصدقون أيها الإخوة أن هذا الكأس من الشاي الذي قدمه لهذا الفراش كان سبب إسلامه ، الفراش نظر إليه صار له خمس سنوات في هذه المدرسة لم يسلم عليه إنسان ، لم يقرأ عليه إنسان السلام ، وهو يعمل بصمت بهذا الأجر الزهيد ، قال له : لماذا قدمت لي هذا الكأس ؟ قال له والله لا لشيء إلا لأني رأيتك تخدمنا ، يعني نوع من المودة ، قال له : أنا أحمل ماجستير في العلوم ، هذا الفقر ، فقال لي : لما سمعت أنه يحمل ماجستير في العلوم صعقت ، قال لي : دعيته إلى البيت ودعيت أستاذ علوم يحمل شهادة عليا وجئنا بموسوعة باللغة الإنكليزية وقلنا له اقرأ ، أي انظر كلام دعوة هذه ماجستير بالعلوم فراش ، قرأ وشرح ، يعني كلامه صحيح ، هو طبعاً ليس مسلماً، لاأعرف هندوسي ، سيخ لاأعرف ، قال : ماالذي دعاكم لأن تدعوني للبيت وهذا شرف عظيم ، فقالوا له : نحن نتمنى أن تكون مسلماً ، قال: ما الاسلام ؟ قال لي هذا الصديق : والله بقينا أربعة أسابيع كل يوم ندعوه إلى البيت ونشرح له الاسلام إلى أن أعلن إسلامه واتصل بالله عز وجل ، ويعني كما يقال في التاريخ حسن إسلامه .
الإنسان على الله غالي كثيراً ، تصور كأس شاي قدمه لإنسان وجدها كبيرة جداً ، فأنا أتمنى الإنسان أن يكون دقيقاً ، لو عندك صانع بالمحل ، هذا صانع عندك أما عند الله ليس صانعاً وإنما هو عبد لله ، قد يكون عند الله أعظم منك ، قد يكون أقرب إلى الله منك وأنت صاحب المحل ، وأنت عضو غرفة التجارة طويل عريض ومستورد كبير وعندك معملاً ، قد يكون هذا الصانع الذي معاشه ألفان وخمس مائة وليس يملك من الدنيا شيء قد يكون أقرب إلى الله منك .
فالإنسان كلما ارتقى إيمانه يحترم الآخرين ، ولا يتكبر عليهم والدليل سيدنا الصديق قال : وليت عليكم ولست بخيركم .
يوجد قصة ثانية لابأس من ذكرها ، قال أبو الدرداء : كنت جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر أخذاً بطرف ثوبه وقال يا رسول الله إنه كان بيني وبين عمر بن الخطاب شيء فأسرعت إليه نادماً وسألته أن يغفر لي فأبى علي ، هذا المقام الذي حصله سيدنا الصديق أعلى مكان بين الصحابة ، وهذا المقام ورعه الشديد ، الخوف الشديد ، مرة قلت لكم أن النبي سأل أصحابه من عاد مريضاً ، فقال الصديق : أنا ، من سار في جنازة قال الصديق : أنا ، من تصدق على مسكين ، قال الصديق : أنا ، من وصل رحمه ، قال : أنا ، رجل قمة في العمل الصالح ، فقال النبي : يغفر الله لك يا أبا بكر ، ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فلم يجده ، ثم أتى النبي عليه الصلاة والسلام فقال : يا نبي الله أنا كنت أظلم ، يا رسول الله أنا كنت أظلم ، فقال عليه الصلاة والسلام ، اسمعوا أيها الأخوة إلى إنصاف النبي قال : إن الله قد بعثني إليكم فقلتم جميعاً كذبت وقال لي أبو بكر صدقت ، أول من أسلم الصديق ، ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كان له كبوة إلا أخي أبا بكر ، لم يتلعثم ، فقلتم لي كذبت وقال أبو بكر لي صدقت ، وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي ، ما ساءني قط فاعرفوا له ذلك ، هذا مقام كبير ومع ذلك لما النبي توفي لم يختل توازنه ، ما اختل توحيده قال : من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت .
إخوانا الكرام :
كان هذا الصحابي يفعل شيئاً لا يصدق قبل أن يكون خليفةً كانت له خدمات جلى لأبناء حيه ، من هذه الخدمات أن له جيران يتامى صغارى وعلى رأسهم عجوز كبيرة في السن فكان يحلب لهم الشياه في الليل ، يؤم هذه البيوت يحلب لهم الشياه ويؤم بيوت أخر فيطهو لهم الطعام ، كان يقدم خدمات يترفع عنها أصغر داعية الآن ، أنا أخدم فلان الآن كلام فقط وإلقاء خطب ، كان هذا الصحابي الجليل يقوم بخدمات يترفع عنها أصغر داعية ، ولما صار خليفة ، تناهى إلى سمعه حسرة العجائز لأنهن سيحرمن من هذه الخدمة الجليلة من هذا الرجل الصالح ، وذات يوم يقرع دار تلك الدور ، تسارع فتاة صغيرة لتفتح الباب حتى تصيح جاء حالب الشاة ، من هو حالب الشاة ؟ سيدنا الصديق خليفة رسول الله خليفة المسلمين ، لما عرفت أن سيدنا الصديق طرق الباب وهو خليفة المسلمين قالت : ويحك يا بنيتي ألا تقولين خليفة رسول الله ما هذا الكلام ؟ قال : يقول كتاب السيرة : يطرق مع نفسه ويهمهم كلمات لعل لسان حاله يقول دعيها لقد وصفتني بأحب الأعمال إلى الله هذا الوصف أحب إليه من كلمة خليفة المسلمين .
يوجد تعليق أعجبني أقرأه إليكم ، قال : لو قدر لأبو بكر بشمائله الفذة أن يكون في منصب الخلافة في عصرنا هذا أكان منهجه سيتغير ؟ يقول كاتب السيرة إنه لم يحلب الشياه ولكن سوف يقدم خدمات أخرى تتناسب مع هذا العصر ، تعليق لطيف ، لذلك وصف النبي هذا الصحابي الجليل
" عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ "
وأرحم الخلق بالخلق رسول الله ، وكلما ازدادت الرحمة في قلبك دليل أنك أقرب إلى الله ، وأبعد قلب عن الله عز وجل القلب القاسي ، والراحمون يرحمهم الله ، وإذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي .
هل تعرفون أنه يوجد امرأة بغي رأت كلباً يلهث من شدة العطش ، يأكل الثرى من شدة العطش فنزلت إلى بئر وملأت خفها ماءً وارتقت وسقت هذا الكلب فغفر الله لها ، أن ترحم حيوان ، أن ترحم إنسان ، أن ترحم طفل صغير ، أن ترحم صانع في المحل عندك ، أنا تأتيني شكاوي أنه يوجد طفل يتيم في محل يتمنى أن يأخذ شهادة فطلب من معلمه أن يخرج من المحل قبل ساعة إلى مدرسة ليلية فلم يرض وقال : عندما يتعلم يترك من عندي دعه خادم عندي ، أما ابنه فيقول دفعت له ثماني عشر ألف ليرة دروس خاصة ، يحبه أن يكون طبيب أما ابن الناس أحب أن يأخذ شهادة وقال له : إذا تغيبت ساعة تأتي إلى هذا المحل ، قلب مثل الصخر ، مرة شاهدت بعيني صاحب محل تجاري ابنه في العطلة الصيفية كان في المحل ويوجد صانع عنده من سن ابنه تماماً فبعث أثواب إلى جهة وحمل هذا الصانع أول ثوب وثاني ثوب وثالث ثوب فلم يستطع أن يحمل فقال هذا الصانع : لم أستطع يا سيدي ، فقال له صاحب المحل : أنت شاب احمل ، ولم ينتبه إلى نفسه فابنه حمل ، فقال له : انتبه يا بني ظهرك .
هذه العنصرية ، التناقض البشع المخزي ، إذا لم يكن عندك رحمة عامة رحمتك بأولادك لا قيمة لها لأنها فطرية ، وليست كسبية أودعها الله فيك كي تستمر الحياة ، لكن بطولتك في الرحمة العامة أن ترحم إنسان لا تعرفه ، ارحم إنسان مقطوع ليس له أحد ، إنسان ضعيف ، هذه هي الرحمة ، شيء طبيعي جداً أن ترحمه .
سيدنا الصديق يوجد في قلبه رحمة كبيرة ، عندما رأى سيدنا بلال يعذب من قبل سيده صفوان بن أمية أراد أن يشتريه منه وعندما اتفقا على بيع بلال إلى سيدنا الصديق كي ينقذه من العذاب ، يقول صفوان تحقيراً لشأن بلال : خذه فلو أبيت إلا أوقية واحدة لبعتك بها ، فقال سيدنا الصديق : والله لو أبيت إلا مائة ألف لأعطيتك ، إذا لم يساوي عندك أوقية يساوي عندي مائة ألف ، اشتراه منه ووضع يده تحت إبطه وقال هذا أخي حقاً .
كان أصحاب رسول الله إذا ذكر الصديق القرشيون ، الهاشميون ، الذين هم من أرومة قريش ، كانو إذا ذكر الصديق يقولون : هو سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلال .
سيدنا عمر خليفة المؤمنين علم أن بلالاً قدم المدينة فخرج لاستقباله ، حسب البروتوكولات الحديثة إذا كان الضيف رئيس دولة يستقبله رئيس دولة ، إذا الضيف رئيس وزارة يستقبله رئيس وزارة ، إذا الضيف رئيس خارجية يستقبله رئيس خارجية ، أما يخرج أعلى شخصية يستقبل عبد هذا الإسلام .
يوجد قصة تعرفونها ، وقف أبو سفيان ساعات طويلة في باب عمر لم يؤذن له ، وصهيب وبلال يدخلان بلا استئذان ، فتألم أبو سفيان فلما دخل على عمر عاتبه ، وقال له : أبو سفيان زعيم قريش يقف ببابك ساعات طويلة و لايؤذن له وصهيب وبلال يدخلان ويخرجان بلا استئذان ، فقال له سيدنا عمر أنت مثلهما عندما كانا يعذبان ، أنت خضت ثلاث حروب ضد رسول الله وهم كانوا يجاهدون .
من الطريف أن الناس تناقلوا في مكة ما كان من أبي بكر وشرائه بلالاً فصار الإنسان إذا دخل بضائقة مالية يعذب العبد الذي يملكه حتى يشتريه الصديق .
هذه مما يروى من طرائف الأخبار ، قال لم يعرف أنه مرة واحدة قاتل أو شاتم أو أساء ، أو تخلى عن مروءة ، أو بخل بماله أو جاهه .
بعد وفاة سيدنا أبي بكر رضي الله عنه ذهب عمر يسأل زوجته أسماء بنت عميص كيف كان أبو بكر يعبد ربه عندما يخلو بنفسه ؟ فأجابته قائلةً : كان إذا جاء وقت السحر قبيل الفجر قام فتوضأ وصلى ثم يستمر يصلي ، ويتلو القرآن ويبكي ويسجد ويبكي ويدعو ويبكي وكنت أنا أشم في البيت رائحة كبد تشوى ، فبكى عمر رضي الله عنه وقال: أنى لابن الخطاب مثل هذا ، قال عمر : ما أنا إلا حسنة من حسنات أبي بكر .
بعض كتاب السيرة يصفون شكله ، الآن نحن متشوقون إلى أن نعرف شكله ، قال : كان أبيض اللون ، نحيل الجسم ، خفيف العارضين ، أحنى الظهر ، معروق الوجه ، غائر العينين ، ناتئ الجبهة ،عاري الأشاجين ، كما يقال أيضاً : كان يرى ضعيفاً مستضعفاً ، فإذا جد الجد
فهو الليث عادياً ، كان يرى أكثر دهره صامتاً ، فإذا تكلم بز القائلين .
مرة مدح هذا الصحابي الجليل ، فقال : اللهم اجعلني خيراً مما يقولون ، طموح ، أثنوا عليه ، قال أيضاً : و اغفر لي ما لا يعلمون ، ولا تؤاخذني بما يقولون ، إنني أرى من السنة إذا الإنسان مدح أن يستغفر الله ، إذا الإنسان مدح هناك نص أكبر من هذا الدعاء ، كان إذا مدح هذا الصحابي الجليل يقول : اللهم أنت أعلم بي من نفسي ، وأنا أعلم بنفسي منهم ، اللهم اجعلني خيراً مما يقولون واغفر لي مالا يعلمون و لا تؤاخذني لما يقولون .
و الله الحديث عن هؤلاء الصحابة يعني الحديث الممتع و المسعد ، و الإنسان إذا تحدث عن أصحاب رسول الله عاش في جنة القرب ، في وهج الأخلاق ، في روعة البطولات ، في جمال القيم ، قيم على بطولات على قرب من الله ، على إخلاص ، على تواضع ،على فطنة ، على ذكاء ، على مواقف حازمة ، فالإنسان يحتاج إلى هذه المثل ، و إلى تلك القيم ، كي يهتدي بها في حياته ، و الإنسان يقلد ، نحن إذا فعلنا عمل طيب تقليد ، لكن أصحاب رسول الله الكرام كانت أفعالهم أصيلة حقيقية .
.... ما القصد من تدريس سير صحابة رسول الله ..؟ إلا أن يكون هؤلاء الصحابة الكرام الذين رضي الله عنهم بالقرآن الكريم ، يقول عليه الصلاة و السلام : إن الله اختارني و اختار لي أصحابي ، و هؤلاء الصحابة الكرام نماذج بشرية و لكن راقية جداً ، ولا بد لواحد منا من أن يلتقي مع أحد الصحابة إما في السن ، أو في الدور الاجتماعي إما في الموقف ، أو في النموذج ، لذلك كل إنسان من المؤمنين ينبغي أن يتخذ من أحد الصحابة الكرام الذي يتوافق مع مرتبته مع دوره الاجتماعي ، مع منشئه مثلاً ليكون هذا الصحابي الكريم قدوة لنا ، فسيدنا الصديق هو التلميذ الأول لرسول الله أصدقهم و أكملهم و أشدهم حباً و وفاءً و تضحيةً و أشدهم إباءً ، أقربهم إلى الله عز وجل .
أحب أن أقول كلمة قبل أن أختم هذا الدرس ، أن أبواب البطولات مفتحة في كل كل العصور ، أليس بإمكانك أن تكون دقيقاً جداً في تعاملك مع إخوانك أليس بإمكانك أن تضحي من أجل نشر هذا الحق ، أبواب الخير مفتحة في كل العصور ، فلذلك نحن حين ندرس هذه الموضوعات القصد أن تترجم إلى ممارسات وأن يكون هؤلاء الصحابة الكرام في قلوبنا و في حياتنا و سوف ننتقل في دروس قادمة ، إن شاء الله إلى نماذج من الصالحين بحسب ما يتيسر إما التابعين أوالعلماء الكبار و أبطال الفقه و نبقى في هذا الدرس بسير أعلام المسلمين ، أنهينا ثلاثاً و سبعين درساً في سير صحابة رسول الله ، خمسون درساً في سير أصحاب رسول الله ، و ثلاثة و عشرون درساً في الأربعة الراشدين : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فمجموع الدروس الآن ثلاثة و سبعون درساً ، و سوف نتابع هذه الدروس إن شاء الله و تعالى في الحديث عن كبار الفقهاء و المحدثين ، وهؤلاء أعلام الأمة الذين نقتدي بهم و نجعلهم قدوة لنا في توجهنا إلى الله عز وجل .
الحمد لله رب العالمين